أطفال اليوم هم رجال الغد، هم من سيحملون راية الأمة ويتولون قيادتها والذود عنها، وبقدر سلامة عقيدتهم وقوة إيمانهم، وسمو أخلاقهم، وصلاح تربيتهم؛ بقدر ما تستطيع الأمة أن تكون دائما صاحبة الريادة والقيادة. ولهذا كان العبث بعقول الأطفال، واختزال اهتماماتهم، وتحجيم آمالهم وتطلعاتهم، فلا تتسع لأكثر من أخبار الفن والفنانين، و الرياضة والرياضيين، هذا العبث بمثابة اغتيال لجيل صاعد، واستبداله بآخر من أشباه الرجال، تتهاوي أمام أعينهم عزة الأمة ورفعتها، فلا تهتز لهم شعرة، ولا تشتعل في أنفسهم غيرة ولا حمية، وهم يرون أراضيهم تغتصب ومقدساتهم تنتهك. هذا الجيل هو نتاج قصور التربية، وعدم إدراك مسؤوليتها الخطيرة الملقاة على أكتاف المربين من آباء وأمهات بالدرجة الأولى
لقد كان أطفال السلف من أمثال عبد الله بن الزبير، وابن عباس، وابن عمر، و أسامة بن زيد و غيرهم من النجوم الذين تطاولت قامتهم حتى وصلت عنان السماء رفعة وعفة وطهارة، هؤلاء الأبطال غُيبت أسماؤهم عن الكثير من أطفال المسلمين اليوم لانشغالهم بتوافه الأمور.
كان الطفل من هؤلاء العمالقة في سن السابعة والثامنة يفهم معاني الجهاد، حيث ترُوى له قصص الشهداء في صدر الإسلام، فيرضع هذه المعاني كما يرضع لبن أمه.
لهذا يجب على الآباء أن يحكوا لأبنائهم مغازي رسول الله صلي الله عليه وسلم، وسيرة الصحابة الكرام، وشخصيات القادة العظماء، والمعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي؛ وذلك حتى يتأسى الأطفال بسيّر الأولين حركة وبطولة وجهاداً. وحتى يرتبطوا بالتاريخ شعوراً وعزة وفخاراً. يقول سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه: "كنا نعلم أولادنا مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القران الكريم".
كان للزبير بن العوام رضي الله عنه طفلان، شهد أحدهما بعض المعارك، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف أبيه. لقد ورد في كتاب حياة الصحابة عن ابن جرير أن النبي صلي الله عليه وسلم وقف بجانب سعد بن أبى وقاص وكان يرمي فقال صلى الله عليه وسلم: "ارم سعد فداك أبى و أمي ". ويروى ابن جرير أيضاً بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ً".
جاء عبد الله بن الزبير وهو ابن سبع سنين ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم الرسول حين رآه مقبلا إليه ثم بايعه .. (رواه الإمام مسلم ).. يبايع على الجهاد والنصرة لهذا الدين وهو ابن سبع سنين .. وصدق والله، فقد بورك بهذه الطفولة فأصبح الجهاد أكبر همها والموت في سبيل الله أسمى أمانيها.
يحدثنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فيما يرويه البخاري وهو في قلب معركة بدر فيقول: وقف غلام عن يميني يسألني: يا عم دلني على أبى جهل، فيقول له: مالك يا بني من أبى جهل، فيقول له: والله لو رأيته لن أفلته، لقد كان يؤذى رسول الله صلي الله عليه وسلم، ثم غلام عن يساري، فسألني مثل الولد الأول، ثم تحتدم المعركة ويشتد بأسها فيلتفت عبد الرحمن بن عوف إلى الغلامين ويقول لهما: ذلك الذي تبغيان، ذلك أبو جهل، فينطلقان مسرعين بسيوفهما الصغيرة، كل منهما يريد أن ينال شرف السبق في طعن عدو الله ورسوله، فيضربانه ضربة قوية، فيسقط أبو جهل على الأرض، فيتسابقان إلي زف البشارة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويقول كل واحد منهما: أنا الذي قتلته يا رسول الله ! فيقول لهما: أرياني سيوفكما، فيرى عليهما آثار الدماء، فيقول لهما: كلاكما قتله، فيذهبان والسعادة تغمر قلبيهما؛ لأنهما شعرا أنهما قدما شيئاً في خدمة هذا الدين العظيم.
قال سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه: رأيت أخي عُمير بن أبى وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى فقلت: مالك يا أخي؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا أحب الخروج.
يحب الخروج ..الخروج لماذا؟ !! للعب والتنزه؟، أم لمشاهدة مباراة كرة قدم؟، أم لحفل غنائي لمطرب أو مطربة مشهورة؟ !! كلا .. إنه الخروج لنصرة دين الله وإعزاز كلمته.. فاستعرض الرسول الجيش فتطاول عُمير فوقف على رؤوس أصابعه حتى يظهر أكثر طولا.. ولكنّ الرسول رده.. وهنا لم يتمالك الطفل نفسه وانخرط في بكاء شديد تعبيرا عن حزنه، فرّق له رسول الله فأجازه.. قال سعد بن أبى وقاص : فكنت اعقُد عليه حمائل سيفه من صغره .. فقاتل فقتل .. فهو من شهداء بدر.
ومن جميل ما ذكر تلك القصة التي رويت في كتب السيرة والتاريخ حينما أراد الإفرنج غزو بلاد الأندلس فأرسلوا إليها أحدهم خفية، فرأى حين دخوله طفلا يبكي عند شجرة، فسأله عن سبب بكائه، فقال له الطفل انه أراد أن يصطاد عصفورين برمية واحدة، فصاد أحدهما وطار الآخر. ثم قال له : لقد علمني أبى أن أصيب عصفورين برمية، حتى إذا جاء العدو أصبت منهم الرجلين بسهم. فتركه الرجل ورجع خائباً إلى قومه يروي لهم شجاعة المسلمين وأبنائهم، وذلك حينما كان الآباء يدركون مسؤولياتهم نحو أبنائهم الأمر الذي أخرج للتاريخ جيلا فريداً لا زلنا نتغنى بمآثره.
أما أطفالنا اليوم.. فماذا يشغل كثيرا منهم؟ شغلتهم كرة القدم حتى باتوا يتقاتلون من أجلها، وشغلتهم الأفلام والأغاني الهابطة والموضات المائعة..
يروي ابن كثير رحمه الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : توفى رسول الله وأنا ابن عشر سنوات وقد قرأت المحكم.. هؤلاء تفتقت عقولهم وتفتحت على معاني القرآن وكلماته.. ولم يكن هذا الفهم بدون أدب.. إذ كانوا يرضعونهم الأدب مع العلم، فكان الطفل منهم يعرف قدر نفسه، يوقر الكبير ويعرف لذي الفضل فضله..
أما القدوة عند أطفال الصحابة..فلها شأن عظيم.. إذ حرص الآباء على غرس وتثبيت اقتداء أطفالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصاحبته الكرام.
و ما نلاحظه اليوم من أجيال منحرفة تعيش فراغاً دينياً وثقافياً، ومسخاً في عقليتها، وفقداناً لهويتها، إنما هو بسبب فقدانها للقدوة الصالحة والأسوة الورعة.
تحضرني واقعة حدثت في إحدى المدارس الأهلية حيث طلبت المعلمة من التلاميذ أن يذكر كل واحد منهم أمنيته، ففعلوا.. هذا يتمنى أن يكون مهندساً وهذا طبيباً وذاك طياراً.. ووصل الدور إلى طفل لم يتجاوز الخامسة، قالت له المعلمة: وأنت ماذا تتمنى؟ قال: أتمنى أن أكون صحابياً. نعم صحابياً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهنا اندهشت المعلمة لما سمعت ذلك. فاتصلت بوالدة ذلك الطفل، أخبرتها بما قال. فقالت الأم : لا غرابة في ذلك؛ فإن أباه كل يوم يقص عليه من قصص الصحابة رضي الله عنهم، حتى أصبح كأنه بينهم يعيش معهم، ومع بطولاتهم, وبالطبع لا يقلل هذا من قيمة المهندس والطيار والطبيب وغيرهم فكلهم مجاهدون إن خدموا بعملهم أمتهم وأخلصوا لله نيتهم ولكننا ننبه كيف عاش هذا الطفل بوجدانه مع الصحابة فتمنى أن يكون مثلهم في أخلاقهم وعلو همتهم .
أيها الأب الكريم.. أيتها الأم الفاضلة .. علما ولدكما القوة والشجاعة، و أن يكون جريئا يقول الحق ولا يخاف لومة لائم. علِّماه أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، و أن يعيش في هذه الحياة رافع الرأس معتزا ً بالله عز وجل، لا يسير وراء أهوائه ومنافعه المادية.
علماه قول النبي صلى الله عليه وسلم" واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك".
أيقظا في نفسه حب الله عز وجل، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وحب الإسلام وحب الجهاد في سبيل الله، وحب أوطاننا و مقدساتنا ومساجدنا و الحرمين الشريفين والقدس الشريف، أكدا لولدكما معنى الدفاع عن كل شبر من أرض المسلمين، والأماكن المقدسة خاصة.علماه أن تحرير فلسطين والمسجد الأقصى واجب على كل الأمة، وأن أطفال فلسطين يضحون من أجل وطنهم ، ويجاهدون بالحجارة في أيديهم وصيحة الله أكبر على ألسنتهم وهي أقوى سلاح، يهرع منها الصهيوني الجبان ،الضعيف ،الذي يدرع نفسه بالكامل من رأسه حتى أخمص قدميه وهو يصوب بندقيته ومع ذلك يجرى خائفامن حجارة طفل صغير يصيح: الله اكبر .
علما أولادكم أن مقاطعة سلع هؤلاء اليهود وسيلة من وسائل الجهاد. وأن الشهادة في سبيل الله هي أسمى مطلب للمؤمنين، لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون .
أيها الأب.. أيتها الأم.. أنتما مسؤولان أمام الله عن إنشاء هذا الجيل حتى يرفع رأسه بالإسلام عالياً بإذن الله