أسارير السلطان ( جمال الرابع عشر ) وهو يقرأ في واحدة من صحفه الرسمية عن اختراع أجنبي جديد ، آلة تحوِّل البشر إلى حمير !
لم تلبث تلك الابتسامة أن تحولت إلى قهقهة عالية ، بعد أن ذكر تفصيل الخبر أن طبيباً ألمانياً قام باختراع هذه الآلة ليتمكن من إجراء تجاربه على الحمير دون الخوف من المنظمات الحقوقية ، فقد اكتشف الطبيب الألماني أن منظمات الحقوق تثور إما للإنسان أو للحيوان ، جميع الحيوانات ماعدا الحمير لا أحد يثور لأجلها أو يعترض !
ويبدو أن صوت الضحكة كان مجلجلاً ، إذ دخل ( عز الرابع عشر ) المستشار الأول للسلطان على إثر ضحكته المزعجه ، وهو ينحني متملقاً حتى أوشك على تقبيل قدمه
وهو يقول : خيراً إن شاء الله ، ما الذي يضحك مولانا هذا الصباح .!
تجشأ السلطان في صوتٍ مرتفع مقزز وهو يرمي بالجريدة ليد مستشاره الأكبر ، وهو يقول : اقرأ هذا الخبر المضحك ، ثم قل لي ما رأيك !
أمسك ( عز ) بالجريدة بيده اليمني ، وهو يتلقف باليسرى تفاحة ضخمة قذفها له سيده ، فبدا أشبه ما يكون بالكلب
وأخذ يمر على الخبر بعينيه بسرعة ، ثم التمع بريق غامض في عينيه وهو يقول : ما رأيك يا مولاي في أن نستغل هذا الاختراع لصالحنا
عقد السلطان حاجبيه في تركيز وهو يقول : وكيف ذلك !؟
استطرد المستشار قائلاً : تخيل يا سيدي أن نشتري عدداً هائلاً من تلك الآلات ، ونضعها في مداخل المدارس والمستوصفات والأسواق وملاعب الأطفال !
ومن ثم يمر جميع شعبك من خلالها ، وفجأة ، يتحول شعبك كله إلى حمير !
ازداد انعقاد حاجبي السلطان وهو يسأل في غباء : وما هي فائدتي من كل ذلك !!
تقوس ظهر ( عز ) ولامس أنفه الأرض فعلاً بين قدمي السلطان ، ثم اعتدل وهو يقول : هذا سؤال لا يسأله حاكم حكيم مثلكم يا مولاي !
تخيل أنك تحكم شعباً من الحمير ، يعمل دون كلل ولا ملل ..
شعب بلا اعتراض ، ولا إرادة ..!
سوف تمتد سنوات حكمك التى بلغت ثلاثين إلى ستين وربما أكثر !!
برقت عينا السلطان في جشع وهو يقول : أريدك أن تشتري لي كل الآلات الموجودة اليوم ..
بل الآن حالاً !!
المستشار ينحني ( أمرك مولاي ) ثم ينصرف !!
وبعد أسبوعٍ واحدٍ من شراء الآلات وتعميمها على جميع المرافق والحدائق والأماكن العامة ، استدعى الحاكم مستشاره ( عز ) على وجه السرعة ..
يصطدم رأس عبد الحليم في المائدة الضخمة ، ذلك أنه تسرّع بالانحناء ،
الحاكم يمسكه من تلابيبه بقسوة وهو يقول :
ما الذي فعلته آلتك الحمقاء أيها المأفون !!
المستشار يتظاهر بالغباء وهو يقول : ما الذي فعلته يا مولاي ، أخبرني !
الحاكم يقذف بمستشاره بقسوة ، فيقع بين قدميه ، ويزأر في وحشية :
ألم تقرأ صحفنا الرسمية !!
المظاهرات تقوم ضدي في كل مكان !
دولتي هي الدولة العربية الوحيدة التي بدأت تجاهر في اعتراضها على الحاكم !!
مسيرات طلابية ضخمة !
طوابير لا تنتهي من المحتجين على سياستي في الحكم !!
المفكرون يعبرون عن آرائهم بحرية !!
الكتاب والصحفيون يسلخون جلدي وأنا على قيد الحياة !!
كل ذلك وأنت تتظاهر بأنك لا تعرف ..
ثم سال لعابه فوق صلعة مستشاره ، وصرخ غاضباً :
ما الذي يحدث بحق الجحيييم !!!
المستشار يسجد بين قدمي السلطان ، ويرفع رأسه بانكسار وهو يقول بصوتٍ لا يكاد يسمع :
أسف يا سيدى فأنا للتو قرأت الكتالوج المرفق بالآلة !!
نظر الحاكم إلى مستشاره نظرة جففت الدم في عروقه وهو يقول :
ما الذي يعنيه ذلك !؟
خفض ( عز ) رأسه وهو يقول :
الفقرة الثانية من دليل المستخدم تقول : بأنك بإمكانك أن تحصل على نتيجة عكسية لو أردت !
انعقدت حواجب الحاكم في غباء وهو يقول : أنا لا أفهم ما ترمي إليه !
ما الذي تريد قوله !!
ترقرقت الدموع في عين المستشار وهو يقول : الفقرة الثانية تقول في وضوح يا سيدي أن تأثير هذه الآلة لا يقتصر على البشر فقط ، أي أنه لا يكتفي بتحويل البشر إلى حمير إذا مروا من خلال الآلة ..
بل إنك بإمكانك أن تحوِّل الحمير إلى بشر من خلال مرورهم في نفس الآلة !!
اتسعت عينا الحاكم في رعب وهو يقول : هل تعني أننا حصلنا على بشر !!
تحشرج صوت المستشار وهو يقول : نعم يا مولاي
لقد كنت تحكم شعب من الحمير طوال ثلاثين عاماً و ها هو الآن تحول إلى بشر