غزوة بدر
(2)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين وبعد
فإن غزوة بدر من أعظم الغزوات في تاريخ المسلمين ، وقد سجّلت
أحداثها مواقف تٌعد من أروع المواقف في حياة ذلك الجيل العظيم .صحابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،
وإليكم بعضاً من تلك المواقف التي دوّنتها كتب السير أثناء
الحديث عن تلك الغزوة :
أولاً : الشجاعة التي كانت معلماً من معالم ذلك الجيل يدوّن لنا
هذه الصفة حمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن ابي طالب ، وعبيدة بن الحارث رضي الله
عنهم أجمعين حين برز كل من عتبه وشيبة والوليد من صفوف قريش وطلبوا المبارزة .
فقال عتبة لابنه قم ياوليد . فقام الوليد وقام إليه علي بن أبي طالب وكان أصغر
النفر فقتله علي في أول لقاء . ثم قام عتبة وقام إليه اسد الله وأسد رسوله حمزة بن
عبد المطلب فاختلفا ضربتين فقتله حمزة ، ثم قام شيبة ، وقام إليه عبيدة بن الحارث
وكرّ حمزة وعلي على شيبة فقتلاه . وانتهت أولى جولات القتال بانتصار الفئة المؤمنة
، وكتب هؤلاء الثلاثة صورة من البسالة والشجاعة كان لها أكبر الأثر في تحقق
الهزيمة النهائية في المعركة فرحم الله هؤلاء النفر ما أعظم شجاعتهم وبسالتهم في
الحروب .
ثانياً : خبر عُمير بن الحمام فإنه قبل بدأ المعركة سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يردد ويقول : ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض )
فقال عمير يارسول الله ! جنة عرضها السموات والأرض ؟ قال : نعم . قال : بخ بخ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما يحملك على قولك بخ بخ ) قال : لا والله
يارسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها . قال : ( إنك من أهلها ) فأخرج تمرات من
قرنه . فجعل يأكل منهن . ثم قال : لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة .
قال : فرمى بما كان معه من التمر . ثم قاتلهم حتى قتل .
ثالثاً : ماقاله عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : بينما أنا
واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة
أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما . فغمزني أحدهما . فقال : ياعم ! هل تعرف
أبا جهل ؟ قال : قلت نعم . وما حاجتك إليه يابن أخي ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول
الله صلى الله عليه وسلم . والذي نفسي بيده لئن رأيته لايفارق سوادي سواده حتى
يموت الأعجل منا . قال : فتعجبت لذلك . فغمزني الآخر فقال مثلها . قال : فلم أنشب
أن نظرت إلى ابي جهل يزول في الناس . فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألان
عنه . قال : فابتدراه ، فضرباه بسيفيهما ، حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم . فأخبراه . فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل واحد واحد منهما ؛:
أنا قتلته . فقال : هل مسحتما سيفيكما؟ قالا : لا فنظر في السيفين فقال : كلاكما
قتله . والرجلان هما : معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ بن عفراء .
هذه بعض مواقف تلك الغزوة العظيمة وهي مواقف تستحق التدوين .
ونحن في شهر رمضان ، الشهر الذي سُطّرت فيه هذه البطولات العظيمة ، فما أحرى
الأجيال اليوم بقراءة التاريخ من جديد ! ولعل شباب المسلمين يدركون هذه المعاني
فتنهض همم للإقتداء ! إن القوة كما يقال تنبت من رحم الشدة ، وقد وصلت حال
المسلمين في هذه الأيام إلى حال حرجة جداً ، وحالة الشدة هي الحال التي تتفجّر
فيها طاقات الأمة من جديد . هكذا يقول التاريخ فيوم أن عاد العرب وأعلنوا الردة
بعد وفاة نبي هذه الأمة عاد الرجل الأسيف الذي لا يتمالك نفسه من البكاء لرقته أبو
بكر الصديق عاد جبلاً شامخاً وتفجّر الضعف والرحمة عن رجل يصرّ على رأيه ويجهّز
اثني عشر جيشاً لمواجهة المرتدين ، ويعود الحق بلجاً من جديد . وبعد أن عاش
الصليبيون قريباً من مئتي عام في بلاد المسلمين هيأ الله بعد الضعف قوة على يد
أنصار السنة فخرجوا صاغرين وذليلين . وإني على يقين اليوم أن الليل قد آذن بالبلج
، وأن صبح الإسلام قريب جداً . وعلى يد الإسلام وأهله سيعود الإسلام من جديد فمن
يشارك ولو بجهد المقل في استعادة هذه العزة ؟ والتاريخ شاهد والأيام دول .